بين جودة القرار وسرعة اتخاذه: متى تصنع الفرص ومتى تهدر؟

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين جودة القرار وسرعة اتخاذه: متى تصنع الفرص ومتى تهدر؟, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 05:40 مساءً

في المؤسسات، كما في الحياة، ليس السؤال دائما "ما القرار الصحيح؟ بل كيف ومتى نقرر؟

في لحظات مفصلية، تبدو فيها القرارات كأنها مفاتيح لمصير بأكمله، ثمّة من يعتقد أن أفضل قرار هو ذاك الذي يُتخذ بسرعة، وبثقة عالية ودون تردد، وهناك من يؤمن أن الجودة لا تأتي إلا حين تنضج الفكرة، وتُختبَر البدائل، وتُفكّك الاحتمالات.

لكن الحقيقة أكثر تعقيدا، فالقرار السريع قد يُنقذ فرصة، لكنه قد يجر كارثة، والقرار المتأني قد يُظهر حكمة، لكنه قد يكلّف المؤسسة خسائر لا تُعوّض، فهل نختار السرعة أم الجودة؟

تشير دراسة تحليلية شهيرة أجرتها شركة ماكنزي وتناولت أكثر من ألف قرار استراتيجي، إلى أن جودة "عملية اتخاذ القرار" أهم بست مرات من جودة التحليل ذاته. لماذا؟ ببساطة لأن التحليل منفردا لا يُجدي ما لم تدار عملية اتخاذ القرار وفق بيئة حوار متزنة تسمح بفحص هذا التحليل ومراجعته، بعيدا عن ضغوط التحيز أو سيطرة رأي واحد.

عناصر مثل فتح المجال للآراء المعارضة دون تحجيم، وتبنّي التفكير الاحتمالي في النتائج، وتحديد مؤشرات التراجع المبكر المعروفة بـ"tripwires"، فضلا عن مراجعة الخيارات استنادا إلى مبادئ واضحة وثابتة، كلها أدوات تعزز جودة القرار بعيدا عن مجرد سرعة اتخاذه.

لكن من قال إن السرعة نقيض الجودة؟
الانحياز للجودة فقط دون اعتبار لعامل الزمن يُفقد المؤسسات قدرتها على الاستجابة، وربما يعطّل فرصا لا تتكرر، فما الجدوى من قرار رصين يصل متأخرا؟ القيادات الناجحة لا تنتظر الكمال لتتحرّك، ولا تندفع بلا بوصلة، هي تقرأ الواقع بسرعة، تتخذ قرارات كافية بذكاء، ثم تُعدّل المسار عند الحاجة.

إذًا لا يصح أن تُختزل معادلة القرار في صراع صفري بين السرعة والجودة، فالمسألة أعمق من ترجيح أحدهما على الآخر، حيث تكمن في حياكة توازن ذكي، يعرف متى يُفرِد للقرار ما يستحق من التأني، ومتى يكتفي بخفة الحسم، ولا ريب أن القرار الرشيد لا يُولد صدفة، بل يُبنى على بيئة متماسكة تُقلل من التحيز الفردي، وتواجه الضباب بالمعلومة، وتكسر الجمود بالنقاش المنضبط.

ختاما؛ ليست الحنكة في اتخاذ القرار لمجرد أن يُقال إننا قررنا، بل في خلق بيئة تسمح بقرارات أفضل في كل مرة. بيئة لا تُقدّس السرعة، ولا تهاب التأني، بل توازن بينهما بفطنة؛ تحلل قبل أن تحكم، وتفسر قبل أن تملي، وتعدل بوعي دون أن تكابر. فثمّة فرق بين قرار يُتّخذ ليقال، وآخر يُبنى ليُحدث أثرا. وفي هذا الفرق، تُصنع الفُرص... أو تُهدر.

AbdullahAlhadia@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق