“الأشرفية” و”الشيخ مقصود” بحلب.. تفاصيل أكبر من قصة حيّين

عنب بلدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشكل حيّا الشيخ مقصود والأشرفية، في الجهة الشمالية من مدينة حلب، واحدة من أكثر البقع حساسية وتعقيدًا في المشهد الحلبي منذ أكثر من عقد.

ويعتبر الحيّان من أكثر المناطق تنوعًا في المدينة، إذ يقطن فيهما أكراد وعرب وتركمان.

كما استقر في الحيين عدد من النازحين من أحياء حلب الشرقية، بعد تعرض منازلهم للقصف والدمار خلال سنوات الحرب.

وتشير تقديرات سابقة، إلى أن عدد سكان الحيين يبلغ حوالي 200 ألف نسمة، ما يجعلهما من أكبر التجمعات السكنية في شمال المدينة.

موقع استراتيجي

يقع حي الشيخ مقصود على تلة مرتفعة شمالي المدينة، ويعد من أعلى الأحياء السكنية في حلب.

يشرف الحي على منطقة الليرمون الصناعية وطريق الكاستيلو شمالًا وغربًا، كما يطل على حي السكن الشبابي ومحيطه.

هذا الارتفاع الجغرافي منح الحي أهمية استراتيجية، جعلته نقطة مراقبة وتأثير ناري وبصري على محاور حيوية تربط شمال المدينة بغربها.

فيما يقع حي الأشرفية جنوب غربي الشيخ مقصود مباشرة، بوصفه الامتداد العمراني الأقرب له داخل النسيج السكاني لحلب.

يحد الأشرفية من الجنوب حي السريان الجديدة، ومن الشرق يمتد باتجاه حي الهلك وبستان الباشا، فيما يرتبط غربًا بمحاور تؤدي إلى دوار شيحان ومحيطه.

وينظر إلى الحيين ككتلة واحدة من حيث التأثير الأمني.

إذ إن أي توتر في أحدهما ينعكس مباشرة على الآخر، نظرًا لتلاصقهما وتشابك طرق الوصول إليهما.

حركة نزوح من داخل ومحيط “الشيخ مقصود” و”الأشرفية” بحلب

سيطرة متبدّلة

منذ عام 2012، خرج الحيان تدريجيًا عن سيطرة النظام السابق، قبل أن تستقر السيطرة فيهما بيد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عبر ذراعها الأمنية المعروفة بقوى الأمن الداخلي (الأسايش).

مع بقائهما محاطين بأحياء خاضعة لسيطرة النظام السابق، فإن الشيخ مقصود والأشرفية تحولا إلى طوق أمني مغلق نسبيًا، تحكمه تفاهمات خاصة أكثر من كونه جزءًا من خطوط تماس تقليدية.

دخلت فصائل من المعارضة المسلحة سابقًا، أبرزها “لواء شهداء بدر” إلى أجزاء من حيي الشيخ مقصود والأشرفية ومحيطهما عام 2013.

وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2013 و2015، تمركزت فصائل المعارضة في حي الشيخ مقصود وعلى أطراف حي الأشرفية وبني زيد.

قبل أن تجبر على الانسحاب من الشيخ مقصود والأشرفية، عقب معارك مع “وحدات حماية الشعب الكردية”، التي سيطرت على الحيين.

ومع نهاية عام 2016، انسحبت “الفرقة 16” ولواء شهداء بدر، التابعان آنذاك للجيش السوري الحر، من حيّي الأشرفية وبني زيد، لتدخل “وحدات الشعب” إلى المنطقة وتحكم سيطرتها عليها بشكل كامل.

ومنذ عام 2016، استمرت “وحدات حماية الشعب” في السيطرة على المنطقة، مرورًا بمرحلة انضمامها لاحقًا إلى “قسد”، التي باتت صاحبة النفوذ الأمني والعسكري في الحيين.

وبعد سقوط النظام السابق في 8 من كانون الأول 2024، بقي حيّا الشيخ مقصود والأشرفية تحت سيطرة “قسد”.

اتفاق لم ينفذ كاملًا

جرى التوصل إلى اتفاق 10 آذار الماضي بين الحكومة السورية و”قسد”، نص على خروج القوات العسكرية التابعة لـ“قسد” والتشكيلات المرتبطة بها من الحيين.

وتضمن الاتفاق الإبقاء على “قوى الأمن الداخلي” (الأسايش)، على أن يجري لاحقًا دمجها ضمن وزارة الداخلية السورية.

وشمل الاتفاق، المؤلف من 14 بندًا، إجراءات من بينها تبييض السجون بين الجانبين، وفتح الطرقات وإزالة السواتر الترابية.

كما شمل العمل على إعادة دمج المؤسسات المدنية في الحيين ضمن مؤسسات محافظة حلب.

وعلى صعيد التنفيذ، خرج رتلان عسكريان يضمان أكثر من 900 عنصر من “قسد” خلال شهر نيسان الماضي، دون تسجيل خروج أرتال إضافية بعد ذلك.

في حين جرى تبادل موقوفين وسجناء على ثلاث دفعات بين الطرفين، وفق ما نص عليه الاتفاق.

لكن هذه التفاهمات بقيت هشة، تتعرض للاهتزاز مع كل تصعيد سياسي أو عسكري في محيط حلب، وغالبًا ما كانت تختبر على الأرض عبر حوادث قنص أو قصف متبادل أو إغلاق طرق، لتعود بعدها الأطراف إلى طاولة التهدئة دون معالجة جذرية لأسباب التوتر.

عودة لتصدر المشهد

عاد الحيّان إلى واجهة المشهد الأمني في حلب، مع تجدد الاشتباكات في محيطهما في 22 من كانون الأول الحالي، لا سيما عند دواري الليرمون وشيحان.

التطورات أعادت طرح أسئلة قديمة حول مستقبل هذين الحيين، وحدود السيطرة، وإمكانية استمرار التفاهمات السابقة.

وليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة توترات.

وسبق أن شهد حيّا الشيخ مقصود والأشرفية مع بداية شهر تشرين الأول الماضي، اشتباكات متفرقة بين قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وقوات تابعة لوزارة الدفاع والداخلية.

التصعيد الأخير ترافق مع قصف طال أحياء سكنية قريبة، وامتد أثره إلى وسط المدينة، ما دفع عائلات في الشيخ مقصود والأشرفية، إلى النزوح بشكل متقطع نحو مناطق أكثر هدوءًا.

ولم يقف أثره على نزوح الأهالي، إذ أثرت التطورات الأمنية بشكل مباشر اقتصاديًا على منطقة الليرمون الصناعية، التي تعد من أهم مراكز الورش والمعامل في حلب.

فقد توقفت الحركة التجارية بالكامل بعد إغلاق الطرق المؤدية إليها، ومنع الدخول والخروج.

وأدى الأمر إلى شلل شبه تام في النشاط الصناعي، وزاد من الخسائر المتراكمة على أصحاب الورش والعمال.

صراع يتجاوز الحيين

سياسيًا وأمنيًا، يتجاوز الصراع في الشيخ مقصود والأشرفية كونه خلافًا محليًا.

فالحيّان يرتبطان مباشرة بملف “قسد” في حلب، وباتفاق 10 آذار المتعلق بدمج القوات، وبالضغوط الإقليمية المتزايدة لإعادة ضبط الخريطة الأمنية شمال سوريا، وينظر إلى أي تصعيد فيهما كرسالة تتجاوز حدودهما الجغرافية.

وفي مقابل رواية الحكومة السورية التي تتحدث عن خروقات وتهديد للأمن، تؤكد “قسد” أن ما يجري هو نتيجة حصار طويل واستفزازات متكررة.

واتهمت الفصائل المحسوبة على دمشق بمحاولة تغيير الوقائع بالقوة، وبين الروايتين، يجد المدنيون أنفسهم مجددًا في قلب معادلة أكبر منهم.

اليوم، يقف حيّا الشيخ مقصود والأشرفية عند مفترق حساس، فإما أن تعود التفاهمات الأمنية إلى مسارها السابق مع تعديلات جديدة تفرضها موازين القوى، أو ينزلق المشهد نحو تصعيد أوسع يعيد رسم خطوط السيطرة شمالي حلب.

حلب.. استعصاء تحيطه الاستفزازات في الأشرفية والشيخ مقصود

أخبار ذات صلة

0 تعليق