قبل ثلاث سنوات، مررت بتجربة شخصية دفعتني للتساؤل عن سلامة المباني التي نعيش تحت أسقفها، وعن الغش الخفي في الخرسانة والتسليح، وعن تلك العمائر التي تسقط قبل أن يكتمل عمرها الافتراضي. واليوم، أجدني أعود إلى الموضوع نفسه، ولكن بملامح جديدة، عنوانها: فلل الكراتين، ومطورون عقاريون جعلوا من الغش هندسة، ومن الواجهة البراقة قناعا لخراب داخلي.

في كل مرة نسمع عن مبانٍ انهارت بسبب خلل في التنفيذ أو ضعف في المواد، يتجدد السؤال: هل ما نعيشه اليوم يتم داخل مبانٍ آمنة فعلا؟ هل تم تشييد هذه الوحدات وفق معايير دقيقة، أم أن التوفير والاستعجال كانا الحَكم في قرارات البناء؟ من المؤلم أن ننتظر الكارثة كي نكتشف الحقيقة.

تنتشر اليوم العديد من المشروعات السكنية التي تفتقر إلى الجودة، بعضها يظهر بشكل أنيق من الخارج، لكنه يخفي داخله هشاشة في البنية التحتية.

تُعرض فلل بأسعار مغرية في السوق، لكن ما إن يسكنها المشترون - وغالبيتهم من الموظفين الذين يدفعون أقساطا شهرية ترهقهم - حتى يكتشفوا تشققات في الجدران، وتسربات في الأسطح، وانهيارات في بعض المرافق، ناهيك عن مشاكل الصرف الصحي الذي يفيض ويهرب خارج الجدران.

واليوم، لم يعد اكتشاف هذه العيوب حكرا على الخبراء فقط. فقد بات الناس، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يطّلعون على تحذيرات المهندسين المعماريين، ويشاهدون بالفيديوهات والصور ما يحدث خلف الكواليس من تجاوزات. كشفُ هذه الحقائق أعاد تشكيل وعي المجتمع تجاه الغش العقاري، وباتت بعض التحذيرات تنتشر بسرعة كالنار في الهشيم.

تحدث بعض المختصين عن تجاوزات لا تزال تُرتكب في الخفاء، مثل تسريع فترة تثبيت الأعمدة والسقوف دون الالتزام بالمدة الزمنية الضرورية لتماسك الخرسانة، أو عدم تشبعها بالماء بصورة كافية. كما أن تنفيذ شبكات الصرف يتم غالبا بطرق بدائية تؤدي لاحقا إلى تسربات. ومع ذلك، يبقى المنظر الخارجي خادعا، وتتسابق الأسر إلى شراء هذه الوحدات السكنية التي توحي بأنها "جنة الأرض".