يا جماعة البيئة... كفى تدويرا للكلام نفسه!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يا جماعة البيئة... كفى تدويرا للكلام نفسه!, اليوم السبت 21 يونيو 2025 11:18 مساءً

تعبنا يا سادة، والله تعبنا! كل مناسبة بيئية، وكل مؤتمر، وعنوان براق أكبر من الذي قبله: صفر نفايات بحلول 2050، إنهاء التلوث البلاستيكي، كوكب أخضر للأجيال القادمة، التخلص من الاحتباس الحراري، كلام منمق، للحالمين فقط وللغرف المكيفة. لكن هل لي بسؤال بسيط، بصوت خافت حتى لا أفسد الأجواء الوردية للحالمين البيئيين! هل هناك ما يستحق التركيز عليه غير الدوائر المكررة وفلكها؟ هل فكرتم ما هو أثر التلوث العابر للحدود للأجواء المليئة بالغازات السامة؟

هل هناك أمل لوقف أحلام اليقظة والحديث بجدية؟ أحلام يقظة مثل «صفر نفايات»! لا أعلم كيف إذا وُجد إنسان لا توجد نفايات (ما علينا، كلام إعلامي) أو المعذرة، «هرطقات الفلاسفة وإبداعات العلماء»! ماذا عن أطنان النفايات من مخلفات القنابل والصواريخ والمتفجرات والنزاعات المسلحة، وأكوام دمار المدن والبنية التحتية؟ الظاهر أنها تُرى بالمجهر! بل هي تُعمي البصر من كثرتها! جبال من الدمار والموت المتناثر على الكوكب.

نحن نعيش في عالم ينقلب رأسا على عقب، ومناطق تشتعل فيها الحرائق، لا بفعل الشمس الحارقة والتغير المناخي، بل بفعل القنابل التي لا تفرق بين شجر وحجر. بينما يجتمع «خبراء البيئة والناشطون» في قاعات مكيفة، يتبادلون الحديث حول كيفية تقليل استخدام قوارير البلاستيك والحد من إنتاجه (وهو جهد مقدّر)، ولكن هناك مدنا تتحول إلى ركام، وأراضي زراعية تموت عطشا لا بسبب الجفاف، بل لأن خزانات المياه ومحطات التحلية تحولت إلى أنقاض.

ومع هذا، تُصِم أذاننا المنظمات البيئية الغربية بمسؤولية الفرد عن البصمة الكربونية وأهمية ركوب الدراجة الهوائية! وتبذل قصارى جهدها في حديث مكثف عن المصابيح الموفرة وإعادة تدوير علب الصودا! والدقائق التي تستغرقها في الاستحمام! ربما عيونهم مُصابة بقصر النظر! بل هي مصابة بعمى البصيرة! فكيف لهم ألا يروا حجم الكوارث على الكوكب أمام أعينهم؟ الدخان المتصاعد من المدن المنكوبة غير مهم ولا يستحق آلاف الأبحاث والمنشورات والاجتماعات المغلقة والمؤتمرات، لكن دخان السيارات ووسائل النقل الناتج عن احتراق وقود البنزين والديزل... إنه خطر يهدد الكوكب أجمع ويستوجب فرض الضرائب ويستثير غضب الناشطين.

ما نود قوله لا يعني التقليل من أي مصادر تلوث وأي آثار من الربو والحساسية... إلى ما لا نهاية، ولكن حين ترى عالمًا من الخبراء في برج عاجي يتحدثون ويكيلون بألف مكيال إلا مكيال الحق، فإن أضرار الحروب وكوارثها البيئية تفوق كل احتمال، لكن الحديث عنها عجيب! تخيل إحدى المنظمات البيئية قررت الحديث عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرب غزة. التقديرات الحالية تشير إلى أن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الحرب في غزة تجاوزت بالفعل الانبعاثات السنوية لأكثر من 100 دولة مجتمعة في فترة زمنية قصيرة. إلى هنا لا بأس، وإن تم اختيار غاز واحد للحديث عن ضرره وتغيب أطنان المركبات المتفاعلة السامة، (ما علينا) نأتي للطامة: على حد قولهم لإعادة بناء غزة قد تتجاوز بشكل كبير الانبعاثات الناتجة عن الدمار نفسه! وقد تصل إلى عشرات الملايين من الأطنان المكافئة لثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لعدة دول مجتمعة.

ما رأي البيئيين؟ هل كل أرض محروقة يجب أن تبقى مدمرة حتى لا نزيد من كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون! (ما علينا) لا جديد، المنظمات عملها وشغلها الشاغل ثاني أكسيد الكربون، أعانه الله على سوء السمعة! غزة نموذجًا للخراب والقنابل والموت وصحة البشر والحيوان والنبات والأرض في أسفل سافلين. الله المستعان.

بصراحة، أشعر بالغثيان عندما أرى بيانات صحفية لجهات ومنظمات مرموقة اليوم تتحدث عن أهمية تقليل البصمة الكربونية للفرد. صدقًا، كم هم سخفاء! والأدهى والأمر: قلب الحقائق والتلاعب بها، بينما هناك دول بأكملها تُترك لتدفع فاتورة بيئية باهظة جراء نزاعات ودمار وأجيال قادمة لم تكن طرفا فيها. الفاتورة هنا ليست بالدولار أو اليورو، بل هي بالتربة الملوثة، بالمياه السامة، بالهواء المعبأ بسموم لا يطردها أي فلتر، وبمواليد جدد يحملون تشوهات لا ذنب لهم فيها. ربما سمعت عن الطفلة التي وُلدت بلا دماغ في غزة! لكن ربما لم تسمع بمن ذكر ربط التشوهات يحتاج لبيانات ومعلومات ودراسات! ممتاز، أي ظاهرة تحتاج لفيض من الدراسات، لكن من سيطالب بحصر آثار الكوارث؟ ومن سيسمح بجمع العينات؟ ومن يهمه الأمر؟! جراء تعرض الأمهات لمواد كيميائية قاتلة خلّفها القصف والتدمير، حتما سيكون التشوه نتيجة لا مفر منها، وسوف تنتشر السرطانات والأمراض عما كانت عليه سابقا، وإن غابت الدراسات والحقائق عن الفساد والإفساد في الأرض والكوارث الصحية البيئية.

أين صوت هؤلاء البيئيين عنها وعن تحول المدن الخضراء إلى مدن رمادية، مليئة بالركام والأنقاض والمخلفات السامة؟ أين صراخهم عندما تُقتل الحيوانات وتُدمر النظم البيئية بأكملها؟

لماذا نجد ضعفا ملحوظا في طرح هذه القضايا على الساحة البيئية العالمية؟ هل هي غير جذابة إعلاميا؟ أم أنها تضع «ضيوف المؤتمر» في موقف حرج مع «جهات معينة»؟

هل يعقل أن نناقش بجدية «صيد الأسماك المستدام» بينما الصرف الصحي الخام يصب في البحر في غزة لأن محطات المعالجة دُمّرت؟ هل نتحدث عن «الطاقة المتجددة» بينما الوقود الذي يحرك آلات الحرب يدمر ما تبقى من الموارد؟

ألم يئن الوقت لندرك أن البيئة ليست مجرد قوارير بلاستيك أو مصابيح موفرة.

البيئة هي الحياة نفسها، وهي تتأثر بشكل كارثي بالصراعات المسلحة، إن فاتورة الحروب البيئية أضخم بكثير مما نتخيل، وهي فاتورة لا تدفعها الأطراف المتحاربة فقط، بل يدفعها الكوكب بأسره، ويدفعها الأبرياء الذين لم يختاروا أن يولدوا في مناطق الصراع، ويكبروا ليروا أجنة مشوهة ومواليد يحملون آثار كوارث لم يصنعوها.

لذا، أيها البيئيون الكرام، فليكن لكم صوت أعلى وأجرأ. تحدثوا عن الحروب، عن تلوثها، عن فواتيرها، عن معاناة من يعيشون في ظلها. عندها فقط، قد نصدق أن شعاراتكم صفر نفايات وكوكب أخضر ليست مجرد عناوين براقة لمؤتمرات تنتهي بوجبات فاخرة، بل هي دعوة حقيقية لإنقاذ هذا الكوكب من كل ما يدمره، حتى لو كان ذلك يعني الخروج عن «بروتوكولات» الحديث المريح.

أخبار ذات صلة

0 تعليق