لصوص الجهد: نظرة قانونية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لصوص الجهد: نظرة قانونية, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 11:39 مساءً

في المكاتب المزدحمة، والمؤسسات متعددة الأطياف، ثمة جريمة لا يرفع بها بلاغ، ولا يُجرّم فاعلها بنص صريح، لكنها تمزق العدالة المهنية تمزيقا، إنها سرقة الجهد.

سرقة لا تتم ليلا ولا تحت وطأة السلاح، بل ترتكب في وضح النهار، بين ملفات العمل، وفي خانات العرض التقديمي، وبين جدران الاجتماعات. قد لا يسمع لها صدى، لكن لها آثارا نفسية مدمرة، تطفئ الحماسة، وتغتال المبادرة.

أحدهم اجتهد شهورا في إعداد خطة تشغيلية لمشروع مجتمعي صغير، واحتضن فكرته كما يحتضن طفلا خديجا، حتى أنضجها. فلما آن أوان الإعلان عنها، سلمها بثقة لمديره، ليفاجأ بعد أسبوعين أن الفكرة طرحت في اجتماع رفيع المستوى، دون ذكر اسمه، وكأنها ولدت في عقل آخر. قيل له: ليست أول مرة، تعوّد!

وفي قصة أخرى، فتاة سعودية طموحة تعمل من منزلها، اجتهدت في تطوير قالب تعليمي رقمي لمساعدة الأطفال على تعلم اللغة. عرضت فكرتها على جهة تدريبية، أملا في التعاون، لكنهم ماطلوا الرد، وبعد شهر وجدت إعلانا تجاريا على المنصة ذاتها، يحمل فكرتها حرفيا، بصياغة مغايرة، وتحت شعار مختلف. أغلقت حاسوبها وبكت، لا لأنها ضعيفة، بل لأنها مظلومة.

سرقة الجهد ليست حالة فردية؛ بل هي ظاهرة تتكرر في بيئات العمل المختلة، حيث يتسلق البعض جدران النجاح على أكتاف الآخرين. قد تكون موظفا بسيطا يحمل بين يديه مشروعا ضخما، لكن لا يمنح شرف النشر أو الإقرار، لأن مديره أراد النجومية. وقد تكون خبيرة صاغت تقريرا استشاريا حاسما، لكن ينسب لغيرها ممن وقّع عليه أخيرا. وفي حالات أخرى، قد يمنح موظف جديد ملفات منسوخة من عمل قديم دون علم صاحبها، فيعيد تقديمها بصياغة طفيفة، وكأنه أنجزها من فراغ.

القانون لا يصمت حيال هذا، وإن لم يكن النص صريحا دوما، فثمة قواعد قضائية مستقرة، ومواد في نظام حماية حقوق المؤلف، ونظام مكافحة الاحتيال، ومبادئ العدالة العقدية ترد الاعتبار. بل إن نظرية «الإثراء بلا سبب» - التي تقرر أنه لا يجوز لأحد أن يغتني على حساب جهد غيره دون مبرر مشروع - أصبحت مظلة قانونية قوية في مثل هذه الحالات.

والمحاكم - حين تعرض عليها مثل هذه القضايا بإثباتات رقمية، أو رسائل، أو حتى شهود - تميل للإنصاف. فقد صدرت أحكام برد الاعتبار لموظفين ومبدعين ومبتكرين، بل وبتعويضات مالية في بعض الأحيان، عندما ثبتت المماطلة أو النية السيئة أو استغلال النفوذ الوظيفي.

لكن القانون لا يعمل بغير أدوات. فليكن في اليد سند، وفي البريد الالكتروني توثيق، وفي كل خطوة توقيع أو إقرار. فالنية الطيبة لا تغني عن الإثبات، ولا يكفي أن نقول «أثق فيه»، ما لم نوثق عن وعي واحتياط.

بل حتى قبل ذلك، على أصحاب الأفكار أن يضبطوا التسليم والتعاون في أطر قانونية واضحة، كتوقيع اتفاقيات سرية (NDA) أو مذكرات تفاهم تتضمن بنود حماية الملكية الفكرية.

ومع كل هذا، لا بد من الإشارة إلى الجانب النزيه في بيئات العمل، تلك الشخصيات التي تعيد الفضل لأهله، وتنسب الفكرة لصاحبها، وتكرم من اجتهد، وتحمي الفريق من طاعون النفاق الوظيفي. هؤلاء لا يذكرون كثيرا في القصص، لكنهم ركيزة في بناء بيئة صحية، ومنارة في زمن الاختلاس المعنوي.

رسالة المقال «ليس كل سارق يقتحم بابا، بعضهم يقتحم فكرتك، ويخرج متبسما».

ختاما، من خان جهدك، فقد سرق جزءا من عمرك، فلا تسكت.

وثّق جهدك، وواجه بسلاح القانون، فالمسؤولية في حفظ الحقوق ليست تبرعا اجتماعيا، بل واجب قانوني لا يسقط بالتسامح.

أخبار ذات صلة

0 تعليق