بمناسبة ذكرى ميلاد كوكب الشرق أم كلثوم، يعود إلى الواجهة واحد من أكثر المشاهد الدرامية تأثيرًا في تاريخ الدراما العربية، وهو مشهد اللحظات الأخيرة في حياة “الست” كما قدّمه مسلسل أم كلثوم، العمل الذي لم يكتفِ بسرد مشوار فني أسطوري، بل اقترب بجرأة إنسانية من نهاية الرحلة، كاشفًا عن الألم، والوعي، والصراع الأخير بين الجسد المنهك والروح العاشقة للفن.
نهاية حياة أم كلثوم
منذ اللحظات الأولى للمشاهد الأخيرة التي يرصدها موقع تحيا مصر حرص المسلسل على تقديم أم كلثوم لا بوصفها الأسطورة التي اعتاد الجمهور رؤيتها على المسرح، بل كإنسانة أنهكها المرض، لكنها ما زالت متمسكة بالحياة عبر صوتها، فمشهد آخر حفلاتها كان بمثابة وداع غير معلن للجمهور، حين اعتلت المسرح لتغني «الحب يعشق كل جميل»، الأغنية التي حملت مفارقة قاسية؛ فالكلمات كانت تنطق بالعشق والصفاء، بينما الجسد كان يعلن تعبه الواضح، الأداء جاء هادئًا، مفعمًا بالشجن، وكأن الست كانت تشعر في أعماقها أن هذا اللقاء مع الجمهور قد يكون الأخير.
أم كلثوم على فراش الموت
العمل الدرامي انتقل بعد ذلك إلى الكواليس الإنسانية، حيث ظهرت أم كلثوم على فراش المرض، لكنها لم تتخلَّ عن شغفها الإبداعي، في أحد أكثر المشاهد تأثيرًا، جمعها المسلسل بلقاء تخيلي قريب من الواقع مع الشاعر أحمد رامي والموسيقار رياض السنباطي، في محاولة للاتفاق على أغانٍ جديدة، ورغم الألم الواضح، بدت عيناها مليئتين بالحلم، وكأن الفن كان بالنسبة لها وعدًا بالاستمرار، أو ربما وسيلة لمقاومة النهاية، الحوار حمل إحساسًا ثقيلًا بالفقد القادم، لكنه في الوقت نفسه جسّد عمق العلاقة التي ربطت بين الثلاثي، علاقة تجاوزت حدود العمل إلى شراكة روحية وفنية نادرة.
ذروة المشاهد جاءت مع لحظة الانهيار الصحي المفاجئ، صرخة أم كلثوم وهي تردد بألم: «دماغي هتنفجر» لم تكن مجرد كلمة، بل صرخة إنسانة تستشعر الخطر، وتدرك أن الجسد بدأ يخونها، الأداء التمثيلي في هذا المشهد اعتمد على البساطة والقسوة في آن واحد، دون مبالغة، ما جعله أكثر إيلامًا وصدقًا. الصمت الذي تلا الصرخة كان أثقل من أي موسيقى تصويرية، وكأن المسلسل أراد أن يمنح المشاهد مساحة للشعور بالصدمة ذاتها.
نقل أم كلثوم للمستشفى
بعدها، جاءت مشاهد نقلها إلى المستشفى، حيث بدت أم كلثوم محاطة بالقلق والوجوه المتجهمة، الكاميرا ركزت على التفاصيل الصغيرة: نظرات الأطباء، صمت المحيطين بها، وأنفاسها المتقطعة، إلى أن دخلت في غيبوبة كاملة حتى وفاتها، هنا، بلغ المسلسل ذروته الدرامية، مقدّمًا النهاية دون خطاب مباشر أو تعليق، مكتفيًا بصورة الجسد الساكن لصوت هزّ وجدان أمة كاملة.
اللحظات الأخيرة في حياة أم كلثوم
ما يميز معالجة مسلسل «أم كلثوم» لهذه اللحظات الأخيرة هو احترامه لقدسية الشخصية دون تحويلها إلى أيقونة بعيدة عن الإنسانية، لم يسعَ العمل إلى استدرار الدموع فقط، بل قدّم قراءة إنسانية لفنانة ظلت حتى آخر لحظة تفكر في الغناء، في الكلمة، وفي اللحن، في ذكرى ميلادها، تعود هذه المشاهد لتؤكد أن أم كلثوم لم تكن مجرد صوت خالد، بل إنسانة عاشت للفن، ورحلت وهي تحلم بأغنية جديدة لم تُغنَّ بعد.


















0 تعليق