سوريا تدخل “التحالف”.. الدولة في مواجهة تنظيم “الدولة”

عنب بلدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد كاخي | ركان الخضر | موفق الخوجة

بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” تهديد الحكومة السورية الجديدة مبكرًا، فبعد وصول فصائل “ردع العدوان” إلى السلطة، نشر التنظيم إصدارًا مرئيًا يحذر الدولة السورية من تطبيق قوانين وميثاق الأمم المتحدة.

واعتبر التنظيم منذ البداية أن الإدارة الجديدة في حال طبقت مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها، فإنه ينطبق عليها واجب الحرب والسلم، وأن سقوط النظام على يد الفصائل لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي.

ولم ينتظر التنظيم كثيرًا قبل أن يبدأ عملياته الميدانية، إذ أعلن جهاز الاستخبارات العامة، في 11 من كانون الثاني الماضي، عن إحباط محاولة تفجير من قبل تنظيم “الدولة” داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق. كما تبنى التنظيم، في أيار الماضي، استهداف سبعة عناصر من الحكومة السورية في بادية السويداء، وتفجير آلية لـ”جيش سوريا الحرة” في منطقة تلول الصفا، وكانت أولى العمليات التي يتبناها التنظيم على موقعه الرسمي بعد سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024.

وبعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي في تشرين الثاني الماضي، تصاعدت عمليات التنظيم في سوريا، وفي مناطق سيطرة الحكومة السورية، وبحسب ما رصدته عنب بلدي، نفذ التنظيم 18 عملية في الأراضي السورية منذ 16 من تشرين الماضي حتى 17 من كانون الأول الحالي، منها ثمانٍ في مناطق سيطرة الحكومة السورية.

ومن أبرز العمليات التي نُسبت إلى التنظيم، وباركها في صحيفته الرسمية “النبأ” دون أن يتبناها، العملية التي قُتل إثرها عنصر من وزارة الداخلية السورية، وجنديان أمريكيان ومترجم مدني أمريكي، بمدينة تدمر وسط سوريا، في 13 من كانون الأول الحالي.

ووصف التنظيم انضمام سوريا إلى التحالف الدولي بأنه “مجرد ترسيم علني لخطوة بدأها الشرع سرًا منذ سنوات”، وقال إن “الشرع انتقل من قوائم الإرهاب إلى جندي في الحملة الصليبية على الإسلام”.

ترصد عنب بلدي في هذا الملف الآثار السياسية لانضمام سوريا إلى التحالف الدولي، وتعالج سبل تحجيم أنشطة التنظيم، وأسباب تصاعد نشاطه في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وآليات الاستفادة التقنية للدولة السورية من الانضمام إلى التحالف الدولي.

أعلنت سوريا انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في 11 من تشرين الثاني الماضي، تزامنًا مع زيارة رسمية أجراها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى البيت الأبيض، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، قال عبر منصة “إكس” حينها، إن سوريا وقعت إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي، مؤكدة دورها كشريك في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي، مضيفًا أن هذا الاتفاق سياسي، ولا يتضمن أي بنود عسكرية.

ووصف التحالف الدولي انضمام سوريا بـ”المحطة المفصلية بالتعاون الإقليمي”، مشيرًا إلى رفع عدد أعضائه إلى 90 دولة، الأمر الذي يعزز الجهود لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم “الدولة”.

يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي سيترك آثارًا “إيجابية جدًا” على الحكومة السورية في قدرتها على مقاومة التنظيمات المتطرفة والجهادية الراديكالية، لا سيما تنظيم “الدولة”، من حيث تبادل المعلومات والتدريب الذي ستحصل عليه القوات السورية، بالإضافة إلى الدعم السياسي.

من جانبه، يرى الكاتب الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، أن أبرز النتائج الإيجابية من انضمام سوريا للتحالف، هي الاعتراف بالحكومة السورية كفاعل دولي في المنطقة، والاعتماد عليها في العلاقات الدولية وخاصة في التحالفات، الأمر الذي سيفتح الباب أمام الحكومة السورية للانتقال إلى تحالفات أخرى مع الدول الإقليمية والدولية.

ولا يعتقد علاوي وجود آثار سلبية من عملية الانضمام، سوى أنها ستستعدي الخلايا النائمة للتنظيم، وبالتالي ربما تصبح القوات الحكومية السورية عرضة لهجمات التنظيم داخل سوريا.

انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يمكن أن يشكّّل دعمًًا لقدراتها الأمنية والعسكرية في مواجهة تنظيم

انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يمكن أن يشكّّل دعمًًا لقدراتها الأمنية والعسكرية في مواجهة تنظيم “الدولة” (تعديل عنب بلدي)

مكاسب الانضمام للتحالف الدولي

بالإضافة إلى الآثار السياسية التي ستكسبها سوريا من انضمامها إلى التحالف الدولي، كتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإثبات أن سوريا تحولت من طرف مصدّر للأزمات إلى طرف محارب لها، تنتظر سوريا أن تعزز قدراتها الأمنية من خلال الاستفادة من خبرات دول التحالف والدعم اللوجستي والاستخباري الذي قد تقدمه هذه الدول، بحسب الخبراء.

قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، الأدميرال برادلي كوبر، قال، في 18 من كانون الأول الحالي، إن الحكومة السورية تعاونت مع قوات “سنتكوم” في حالات عديدة، لمواجهة تهديدات محددة لتنظيم “الدولة”، و”هذه هي المكاسب الأمنية الملموسة التي يمكن تحقيقها على الأرض من خلال التعاون الوثيق مع القوات السورية”.

ويرى الخبراء أن انضمام الحكومة السورية إلى التحالف الدولي يمكن أن يشكّل رافعة مهمة لقدراتها الأمنية والعسكرية في مكافحة تنظيم “الدولة”، خصوصًا في مرحلة لا تزال فيها المؤسسات الرسمية في طور إعادة البناء.

وبحسب الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود، تتمثل أبرز مكاسب هذا الانضمام في الاستفادة من برامج التدريب التي يوفرها التحالف، بما يطور قدرة القوات السورية على العمل الميداني المنسق، إضافة إلى الدعم التقني عبر أجهزة ومعدات إلكترونية تساعد في الرصد والمتابعة والاختراق، وتعزيز التواصل بين الوحدات الأمنية. ويكتسب هذا التعاون بعدًا سياسيًا، عبر منح المؤسسة الأمنية قدرًا أكبر من الشرعية في ملف مكافحة التنظيم، وفق فرهود.

ويرى الباحث في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” معتز السيد، أن بناء جهاز أمني واستخباراتي متماسك، مدعوم بتقنيات حديثة وتعاون استخباراتي فعّال مع التحالف، سيجعل الحكومة أكثر قدرة على مواجهة تنظيم راكم خبرة طويلة في العمل السري، وأن الدعم الدولي المباشر لأجهزة الجيش والأمن، إلى جانب معالجة العوامل الاجتماعية التي تغذي التطرف، يشكلان شرطًا أساسيًا لتحقيق استقرار طويل الأمد.

من جهته، يرى الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” نوار شعبان، أن الاستفادة من الانضمام إلى التحالف الدولي لا تزال غير واضحة المعالم، سواء لجهة طبيعة الشراكة أو حجم الدور الفعلي لوزارتي الدفاع والداخلية في العمليات الجارية، رغم ما يمكن أن يقدمه التحالف من خبرات وتبادل معلومات.

أثر عملية تدمر.. تحالف أشد

قتل عنصر من وزارة الداخلية السورية، وجنديان أمريكيان ومترجم أمريكي مدني، وأصيب عنصران من الجيش السوري في هجوم نسبته الداخلية السورية وأمريكا إلى تنظيم “الدولة”، في مدينة تدمر وسط سوريا.

وحول أثر هذا الهجوم على العلاقة السورية- الأمريكية، يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن تنظيم “الدولة” أمام فرصة كبيرة تسمح له بترصد الدوريات الأمريكية بعد دخول الحكومة السورية في التحالف الدولي، الأمر الذي يتطلب، بحسب علوان، حذرًا كبيرًا من الحكومة السورية، لأن التنظيم يترصد في البادية كل تحركات الحكومة السورية عبر عملاء للتنظيم موجودين ضمن المدنيين.

وتشكل الحادثة مثالًا واضحًا على حاجة الحكومة السورية إلى دعم إقليمي ودولي لمكافحة التطرف والإرهاب في سوريا، وستسهم العملية في تعزيز العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، بحسب علوان.

ويرى علوان أن الحكومة السورية أصبحت شريكًا رئيسًا للولايات المتحدة في مكافحة نشاط تنظيم “الدولة” في سوريا، الأمر الذي سيسهم في انتقال سوريا من دولة مصدّرة للأزمات والمشكلات والتطرف، إلى دولة تضمن استقرار المنطقة كاملة انطلاقًا من استقرار سوريا.

ولا يرى الكاتب الصحفي فراس علاوي، أن الحادثة ستؤثر على العلاقة الأمريكية- السورية، على الأقل على المستوى القريب والمتوسط.

وعلى العكس، ربما تؤدي الحادثة إلى “تقارب وتحالف أشد” بين الولايات المتحدة وسوريا، لأن الحكومة السورية تملك أوراقًا جيدة وحاربت التنظيم من قبل، وتملك أوراقًا للضغط عليه من خلال معرفة قياداته، وأسلوب قتاله، وتفكيره، واستراتيجياته في المنطقة، بحسب علاوي.

 

شنت القوات الأمريكية ضربات عسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في 20 من كانون الأول، بعد توعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالرد “الحازم” على هجوم تدمر.

واستهدفت الضربات كلًا من بادية معدان بريف الرقة، وبادية الحماد بريف دير الزور.

وطالت أكثر من 70 هدفًا بمواقع متعددة باستخدام طائرات مقاتلة، ومروحيات هجومية ومدفعية.

واستخدمت العملية أكثر من 100 ذخيرة للاستهداف الدقيق لمواقع البنية التحتية ومخازن الأسلحة التابعة لتنظيم “الدولة”.

قائد القيادة المركزية الأمريكية، براد كوبر، اعتبر أن هذه العملية “حاسمة” لمنع تنظيم “الدولة” من التخطيط لهجمات “إرهابية” ضد الولايات المتحدة.

مسؤول أمريكي قال لشبكة “NBC“، إن الجيش الأمريكي استخدم طائرات A-10 وF-16 ومروحيات أباتشي وأنظمة HIMARS، بينما قدمت طائرات F-16 الأردنية الدعم أيضًا.

ويمكن أن تستمر الضربات لعدة أسابيع أو حتى شهر، وفقًا لاثنين من المسؤولين الأمريكيين.

 

استطلاع: كيف رأى السوريون عملية تدمر

أجرت عنب بلدي استطلاعًا عبر موقعها الإلكتروني، حول رأي السوريين بالنتائج التي ستؤدي إليها عملية تدمر التي أسفرت عن مقتل جنود أمريكيين، وشارك في الاستطلاع 924 شخصًا، واستمر من 16 حتى 20 من كانون الأول.

رأى 43% من المستطلعة آراؤهم أن هجوم تدمر سيعزز التعاون بين الحكومتين السورية والأمريكية، بينما يعتقد 41% منهم أن الهجوم لن يؤثر لا سلبًا ولا إيجابًا على العلاقة، ورأى 16% فقط من المشاركين أن الهجوم سيؤدي إلى توتر في العلاقات بين البلدين.

عمليات تنظيم الدولة في سوريا

تعاون سوري- أمريكي..

نفذت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية، عملية مشتركة بين 24 و27 من تشرين الثاني الماضي، أسفرت عن تدمير أكثر من 15 موقعًا تحتوي على مخازن أسلحة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في جنوبي سوريا.

وشارك عناصر من “قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب” (CJTF-OIR) إلى جانب قوات تابعة لوزارة الداخلية السورية، في رصد وتحديد مواقع التخزين المنتشرة في ريف دمشق، قبل استهدافها عبر سلسلة ضربات جوية وتفجيرات ميدانية نفذتها فرق الهندسة.

وأسفرت هذه العمليات عن تدمير أكثر من 130 صاروخًا وقذيفة هاون، بالإضافة إلى بنادق ورشاشات وألغام مضادة للدبابات ومواد لصناعة العبوات الناسفة.

رسائل التنظيم.. واختبار الرد

كثّف تنظيم “الدولة الإسلامية” من عملياته ضد الحكومة السورية، منذ إعلان سوريا الانضمام إلى التحالف الدولي، وبلغ إجمالي عملياته في مناطق سيطرة الحكومة السورية خلال الـ30 يومًا الماضية ثماني هجمات في مختلف المحافظات.

يرى الكاتب الصحفي فراس علاوي، أن عودة التنظيم إلى النشاط بعد حالة الكمون التي سبقت ذلك تعود لعدة أسباب، من بينها شعور التنظيم بخطر وجودي عليه بعد انضمام الحكومة السورية إلى التحالف الدولي، بالإضافة إلى الضغط الدولي من التحالف على مناطق نفوذ التنظيم، مما دفعه إلى محاولة القفز الى الأمام وتنشيط عملياته في المنطقة.

ويريد التنظيم، بحسب حديث علاوي إلى عنب بلدي، أن يرسل رسالة من هذه العمليات أنه موجود ويشكل قوة فاعلة على الأرض، محاولًا إظهار أن انضمام الحكومة السورية الى التحالف الدولي لن يؤثر على عملياته على الأرض.

من جهته، يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن تنظيم “الدولة” ينتهز أي فرصة للقيام بعمليات تقوض من جهود الحكومة السورية في الاستقرار، في محاولة لإثبات أن خلاياه ما زالت موجودة، بهدف تنشيط عمليات التجنيد.

ويتفق علوان مع علاوي في أن التنظيم يريد أن يوصل رسالة أنه لا يزال موجودًا، بهدف تنشيط عمليات التجنيد في صفوفه، فضلًا عن احتمالية أن يكون التنظيم مدفوعًا من جهات خارجية.

ويرى علوان أن تنظيم “الدولة” ينفذ أجندته الخاصة، وأجندات جهات داخلية وخارجية أيضًا، وتريد هذه الأجندات الخارجية أن تستثمر بالفوضى، وأن تثبت أن سوريا غير مستقرة بعد، في محاولة لخلط الأوراق، لأن مصالح هذه الأطراف المحلية والخارجية تتأثر سلبًا بالاستقرار السوري.

وتشكل الرسائل من وراء هذه العمليات تحديًا مباشرًا للحكومة السورية، ومحاولة ضغط داخلي عليها، بالإضافة إلى وجود رسائل للجهات الخارجية أيضًا، يحاول أن يوصلها التنظيم باسمه وباسم الأطراف الأخرى التي تستثمر من خلاله، وهي أن التنظيم قادر على التحرك والنشاط، لإظهار أن الحكومة السورية غير قادرة على ضبط المشهد الأمني، بحسب علوان.

 

استراتيجية جديدة وجهود متصاعدة للتصدي

يرى خبراء قابلتهم عنب بلدي أن ما يشهده تنظيم “الدولة” في سوريا لا يرقى إلى عودة بصيغته السابقة، بقدر ما يعكس انتقاله إلى “نموذج أمني” قائم على الخلايا والعمل في الظل.

فبحسب الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود، لا يمتلك التنظيم القدرة اللوجستية أو العسكرية لإمساك جغرافيا أو فرض سيطرة مكانية كما فعل قبل أعوام، لكنه يستفيد من اتساع الجغرافيا السورية والهشاشة الأمنية والخلافات بين الفاعلين السوريين، ليعيد تنشيط حضوره ضمن رؤية أمنية تعتمد الضربات النوعية لا السيطرة المعلنة.

ويرى الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” نوار شعبان قباقيبو، أن إعادة “تأسيس” التنظيم بالشكل التقليدي أمر مستبعد، إلا أن الظروف الأمنية الراهنة تتيح له تنفيذ عمليات متفرقة، في إطار ما يروّج له كـ”مرحلة عمليات”، وفق خطابه الإعلامي، دون امتلاك القدرة على السيطرة على كتل أرضية.

 

إعادة تأسيس التنظيم بالشكل التقليدي أمر مستبعد، إلا أن الظروف الأمنية الراهنة تتيح له تنفيذ عمليات متفرقة، في إطار ما يروّج له كـ”مرحلة عمليات”.

 نوار شعبان قباقيبو

باحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة”

 

بدوره، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب، يرى أن خلايا التنظيم الخاملة بدأت تنشط مستفيدة من حالة تعدد الجبهات التي تعمل عليها الحكومة السورية، ما يمنحه حضورًا لتنفيذ عمليات نوعية على المدى القصير، دون وجود جغرافي ثابت.

واعتبر الباحث في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” معتز السيد، أن ما يجري أقرب إلى استمرار فكر التنظيم لا عودة البنية الصلبة له، إذ يتحرك التنظيم عبر أفراد أو خلايا تتبنى فكره، مستغلًا هشاشة الجهاز الأمني الجديد، في محاولة لإثبات أنه لم يختفِ تمامًا، دون أن يعني ذلك استعادة قدراته السابقة.

جندي أمريكي يصافح جنديًا سوريًا - 12 تشرين الثاني 2025 (سنتكوم)

جندي أمريكي يصافح جنديًا سوريًا – 12 تشرين الثاني 2025 (سنتكوم)

الحكومة السورية أمام اختبار الأمن

تواجه الحكومة السورية اختبارًا أمنيًا في ظل قدرات محدودة وتحديات متراكمة، مع اتساع رقعة الجغرافيا التي باتت الأجهزة الأمنية مطالبة بتغطيتها، وانتقالها من العمل ضمن نطاق ضيق إلى التعامل مع كامل الأراضي السورية.

ويشير باحثون تحدثوا إلى عنب بلدي، إلى أن طبيعة التهديد نفسه تزيد من صعوبة المواجهة، إذ يعمل تنظيم “الدولة” اليوم عبر خلايا صغيرة تتقن التخفي وتضرب في أماكن غير متوقعة، ما يجعل مكافحته مرتبطة بقدرات استخباراتية وعمليات استباقية أكثر منها بحملات عسكرية تقليدية.

وتواجه الحكومة السورية تنظيمًا راكم خبرة طويلة في العمل السري منذ عام 2019، ما يتطلب تعزيز عمل الأجهزة الأمنية في متابعة الجغرافيات الحساسة، ولا سيما على الخط الواصل بين حلب ودمشق، إلى جانب توثيق التعاون مع التحالف والاستفادة من تجارب سابقة في إدلب والتنف، على المستوى الأمني من جهة، ومن جهة أخرى على المستوى الفكري والمجتمعي للوقاية من الانسياق وراء دعايات التجنيد التي يمارسها التنظيم باستغلال العاطفة الدينية للمجتمع، بحسب حديث الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود.

أما الباحث في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” معتز السيد، فيرى أن الحكومة لا تزال في مرحلة التعافي وإعادة البناء، وتفتقر إلى بنية أمنية متماسكة وموارد كافية، وأن بناء جهاز أمني واستخباراتي فعّال، مدعوم بتقنيات حديثة ودعم دولي مباشر، يبقى شرطًا أساسيًا لمواجهة هذا التهديد وضمان استقرار طويل الأمد.

عمليات وزارة الداخلية السورية ضد تنظيم الدولة

تعد محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” أحد أبرز أسباب وجود “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بوضعها الحالي، وهي السبب الرئيس لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقي الدعم منها.

وبعد سقوط النظام، تشكلت علاقة جيدة بين دمشق وواشنطن، أثمرت مؤخرًا عن دخول سوريا بالحلف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، مما هدد بسحب البساط من “قسد” بما يخص هذا الملف، إلا أن هجوم تدمر أعاد تشكيل المعادلة.

“قسد” ترحب بالانضمام

رحبت “قسد” بانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحابة تنظيم “الدولة”، حيث قال قائدها، مظلوم عبدي، إن الانضمام يمثل “خطوة محورية” نحو تعزيز الجهود المشتركة للقضاء على التنظيم وضمان عدم تهديده للمنطقة.

على الجانب الآخر، قوبل هذا الترحيب بتساؤلات حول إمكانية سحب ملف محاربة التنظيم من يد “قسد”، بعد أن دخلت الحكومة على الخط، وهي التي تتلقى دعمًا واسعًا من واشنطن، خاصة على المستوى السياسي.

الباحث السياسي أنس الشواخ، قال إن هناك عوامل عدة، عسكرية وأمنية، تؤكد أن هناك عملًا جدّيًا ومتسارعًا لحالة التنسيق بين القوات السورية وقوات التحالف الدولي، كشركاء في عمليات مكافحة “الإرهاب”، مشيرًا إلى أن العمليات في هذا السياق تسير بوتيرة متسارعة.

أما عن سحب هذه الورقة من يد “قسد”، فلفت الباحث في “المركز الكردي للدراسات” الدكتور طارق حمو، إلى أن القوات المسيطرة على شمال شرقي سوريا، أيدت انضمام دمشق إلى التحالف.

وقال حمو، في حديث إلى عنب بلدي، إن “قسد” رحبت بانضمام سوريا إلى التحالف لأن توحيد الجهود ضد تنظيم “الدولة” الذي يهدد الدولة السورية والسوريين ويهدد العمليات السياسية في سوريا، هو مطلب “قسد” أيضًا، ويعزز دورها.

وأشار إلى أن هناك حديثًا عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الحكومة و”قسد” بعد هجوم تدمر، لافتًا إلى أن “قسد” ستكون جزءًا من الجيش السوري (في حال تم الدمج) وسيكون هو من يقاوم “الإرهاب” بغض النظر عن التسميات.

ويعتقد أن “قسد” قادرة على تقديم خبرتها وتجربتها الطويلة في مقارعة التنظيم، ويرى أن هناك مرحلة جديدة من التعاون ستظهر.

محطات في تاريخ تنظيم

هجوم تدمر.. من المستفيد؟

شكّل هجوم تدمر معادلة جديدة في هذا الملف، حيث تعاملت معه واشنطن بإيجابية، بما يخص سياستها تجاه سوريا، بالرغم من انضمام منفذ العملية إلى القوات الحكومية، لكن تعاطي “قسد” مع المسألة طرح العديد من إشارات الاستفهام، فضلًا عن الحديث حول استفادتها من العملية لإظهارها بموقف المحارب المثالي للتنظيم، والمعتمد عليه بشكل رئيس.

أنس شواخ اعتبر أن “قسد” حاولت تصدير الأمر على أنه يعزز صورتها كشريك موثوق وفعال لقوات التحالف الدولي.

لكنه يرى أيضًا أن العملية بما حملته من خسائر بشرية، كان لها دور إيجابي لمصلحة القوات الحكومية السورية، إذ عززت مفهوم الشراكة بينها وبين قوات التحالف الدولي.

ومن ناحية أخرى، فعملية تدمر تضرب السردية التي تسوقها “قسد” أو قوى محلية ودولية أخرى، والتي تتعلق بتصدير الحكومة أو القوات السورية على أنها قوات مرتبطة بشكل أو بآخر أو مخترَقة أو تملك علاقات مع التنظيم، وفق ما يراه شواخ.

وأشار إلى أن سقوط خسائر بشرية من جانب القوات الأمنية السورية، يؤكد حالة العداء العقدي والأمني والعسكري مع تنظيم “الدولة”.

ويخالفه الباحث طارق حمو، إذ يرى أن عملية تدمر لم تكن لمصلحة “قسد” أو الحكومة السورية، واعتبرها “عملية إرهابية” تضر بالعملية السياسية ولا تخدم سوى تنظيم “الدولة”.

وقال إن “قسد” تريد الاستقرار والحوار وحل القضايا والمشكلات العالقة مع دمشق بالطرق السلمية ودون أي مراهنة على أطراف خارجية.

كيف تعاطت “قسد”؟

خرج بيانان رسميان من “قسد” حول العملية، الأول نُشر على معرفها الرسمي، أعربت فيه عن تعازيها بالجنود الأمريكيين، في حين أن الثاني صدر من قائدها، مظلوم عبدي، بتغريدة على “إكس”، وتضمن تعزية لعناصر الأمن العام، الأمر الذي لم يتضمنه البيان الرسمي، كما لفت إليه الباحث شواخ.

 

نعرب عن أسفنا لإصابة عدد من عناصر الأمن العام والجنود الأمريكيين إثر تعرضهم لإطلاق نار في البادية السورية خلال تأدية مهامهم.

إن ازدياد هذه الهجمات يتطلب مزيدًا من الإرادة وبذل الجهود المشتركة على المستوى الوطني في عمليات مكافحة الإرهاب وخلاياه.

نتمنى للجرحى الشفاء العاجل.

مظلوم عبدي

قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)

13 كانون الأول 2025

 

الباحث شواخ اعتبر أن الفرق بين بياني التعزية، هو إثبات لوجود تيارين داخل “قسد”، الأول يتمثل بمظلوم عبدي، والثاني الذي يقود دفة قيادة “قسد” بشكل كامل، وهو التيار الذي لا يرغب بفتح أو القيام بأي خطوات إيجابية تجاه الحكومه السورية الجديدة.

لذلك، كان بيان قيادة “قسد” سلبيًا تجاه مشاركة قوات الأمن السورية في هذه العملية، فيما حاول عبدي عبر تغريدته لعب دور صاحب المبادرة الإيجابية مع الحكومة السورية.

عناصر يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية - 19 كانون الأول 2025 (صحيفة النبأ)

عناصر يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية – 19 كانون الأول 2025 (صحيفة النبأ)

ما مصير سجون عناصر التنظيم؟

ما زالت قضية السجون الموجودة في شمال شرقي سوريا، والتي تضم عناصر تنظيم “الدولة” وتشرف عليها “الإدارة الذاتية” وهي المظلة المدنية لـ”قسد”، مثار بحث، وضمن الأخد والرد، إذ يدور الحديث حول تسلّم الحكومة السورية لهذا الملف، بعد أن أمسكت به “قسد” لسنوات.

الباحث في “المركز الكردي للدراسات” طارق حمو، قال إن معتقلي تنظيم “الدولة” موجودون منذ سنوات في سجون “الإدارة الذاتية”، والتحالف الدولي أيضًا موجود ويشرف على العملية.

وأضاف أن “قسد” تريد تخفيف هذا الحمل عن كاهلها، عبر إيجاد مخرج وحل لهؤلاء المقاتلين، وخاصة غير السوريين منهم، كأن تتسلمهم دولهم مثلًا.

واعتبر أن هذا الملف شائك ويثقل “قسد”، فأي تقارب مع الحكومة في هذا المنحى هو شيء “جيد”، مشيرًا إلى أن وجود الضامن الأمريكي يحل ذلك، ومؤكدًا أم “قسد” منفتحة على الحوار.

وتمتلك “قسد” عدة سجون تحوي عناصر لتنظيم “الدولة” في محافظتي الرقة والحسكة، ويقدّر عددهم بالآلاف، بالإضافة إلى نحو 50 ألف مقيم من مقاتلي التنظيم وعوائلهم في مخيمات لجوء، أبرزها “الهول” و”الروج”.

وتجري “قسد” عمليات باستمرار في مخيمي “الهول” و”الروج” ضد مقاتلين نشطين للتنظيم، بالمقابل، فإن الحكومة تقول إن بعض العناصر الذين نفذوا عمليات في مناطق سيطرتها خرجوا من المخيمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق